الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
فإن ادعى أن الخارص أخطأ في النصف أو الثلث.. لم يقبل؛ لأنه لا يخطئ مثل ذلك في العادة. قال الشيخ أبو حامدٍ: ويقال له: إن شئت أن تدعي دعوى ـ تقبل منك.. فافعل. وإن ادعى غلطًا يسيرًا، يجري بين الكيلين.. فهل يحط عنه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\141]: أحدهما: يحط عنه؛ لأن ما ادعاه محتملٌ. والثاني: لا يحط؛ لأنه ذلك يجري بين الكيلين، ولعله لو كاله مرة أخرى، لوفى. قال أبو العباس: فأما إذا قال: وجدت الثمرة خمسة أوسقٍ.. قبل قوله مع يمينه؛ لأنه لم يكذب الخارص، ويجوز أن تكون الثمرة قد سرقت، فقبل.
وجملة ذلك: أنه إذا كان له نخيلٌ، فإذا كان نوعًا واحدًا.. فإنه تؤخذ منه الزكاة، وإن كان أنواعًا، فإن كان أربعة أنواع، أو خمسةً.. أخذ من كل نوع بقسطه؛ لأنه لا يشق. أو كان أنواعًا كثيرة.. ففيه ثلاثة أوجهٍ، حكاها في "الإفصاح": أحدها ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يؤخذ من الجيد، وهو الكبيس والبردي، ولا من الرديء، وهو مصران الفأرة وعذقٌ من حبيقٍ، ولكن يؤخذ من الجعرور وهو أوسطها؛ لأن الأخذ من كل نوع يشق، فعدل إلى الوسط. والثاني: يؤخذ من كل نوع بقسطه؛ لأنه أعدل. والثالث: يؤخذ من الغالب منها؛ لأنه يشق الأخذ من كل نوعٍ، فأخذ من الغالب، وهو الأكثر، ولا يؤخذ إلا التمر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكرم: «تؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا». فإن أخذ الساعي الرطب.. وجب رده إن كان باقيًا، وإن كان تالفًا.. ففيه وجهان: أحدهما: يجب رد قيمته؛ لأنه لا مثل له. والثاني: يجب رد مثله، وليس بشيء. وإن كانت النخل لا يأتي منها تمرٌ، أو كرمٌ لا يأتي منه زبيبٌ.. أخذ زكاته رطبًا وعنبًا، والكلام فيه كالنخل إذا خاف عليها العطش، وقد مضى ذكره.
وإن لم يكن لهم مالٌ غير الثمرة، فإن قلنا: الزكاة تجب في الذمة، والعين مرتهنةٌ بها.. ففيه وجهان: أحدهما ـ ولم يذكر القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو حامد في "التعليق" غيره ـ: أن الدين أولى؛ لأنهما قد استويا، والدين أسبق، فقدم. والثاني ـ ذكره ابن الصباغ ـ: أنهما سواءٌ، فإذا استوى حق الله وحق الآدميِّ.. فأيهما أولى بالتقديم؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: حق الله تعالى أولى؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فدين الله أحق أن يقضى». والثاني: حق الآدميِّ أولى؛ لأنه مبنيٌّ على الشح. والثالث: يقسط المال عليهما. وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالعين.. وجب تقديم الزكاة، ثم يصرف ما بقي من التركة في الدين، ويجب على الورثة أن يغرموا قدر الزكاة للغرماء إذا أيسروا؛ لأنها وجبت عليهم. هذا إذا قلنا: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة. فأما إذا قلنا: إن الدين يمنع وجوب الزكاة.. ففيه وجهان: أحدهما: تجب الزكاة ـ هاهنا ـ على الورثة؛ لأن الدين لا يجب على الورثة، وإنما يجب على الميت، والزكاة تجب على الورثة دون الميت. والثاني: لا يجب، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن ضعف ملك الورثة على الثمرة موجودٌ ـ هاهنا ـ وإن كان الدين على الميت؛ لأنهم يجبرون على بيعها لحق الغرماء. وإن مات رجلٌ وخلف نخلًا لا ثمرة عليها، وعليه دينٌ يستغرق قيمتها، ثم أثمرت في يد الورثة، وبدا صلاحها.. فإن الثمرة للورثة، وتجب عليهم الزكاة، ولا يتعلق الدين بها على المذهب، وقال الإصطخري: الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة. فعلى هذا: تحدث الثمرة هاهنا على ملك الميت، ويتعلق بها حق الغرماء. وهذا ليس بشيء.
وجملة ذلك: أنه إذا مات رجلٌ ولا دين عليه، وخلف ابنين، وخلف نخلتين مثمرتين، أو غير مثمرتين، ثم أثمرتا، فإن الثمرة مشتركة بينهما. فإن قلنا: الخلطة لا تصح فيما عدا المواشي، فكل واحدٍ مخاطبٌ بزكاته على الانفراد، إن بلغ نصيبه نصابًا.. زكاه، وإن لم يبلغ.. فلا زكاة عليه، سواءٌ اقتسما أو لم يقتسما. وإن قلنا: تصح الخلطة فيما عدا المواشي، فإن اقتسماها قبل بدو الصلاح.. صحت القسمة، واعتبر نصيب كل واحدٍ بانفراده، فإن بلغ نصابًا.. زكاه، وإلا فلا. وإن اقتسما بعد بدو الصلاح.. فهل تصح القسمة؟ إن قلنا: الزكاة استحقاق جزء من العين.. لم تصح؛ لأن المساكين شركاء في المال، فلا تصح القسمة دونهم. وإن قلنا: الزكاة تتعلق بالذمة، والعين مرهونةٌ بها.. صحت القسمةُ؛ لأن الرهن لا يمنع القسمة. فعلى هذا: إذا جاء الساعي، ووجد المال في أيديهما.. أخذ من كل واحدٍ زكاة نصيبه. وإن وجد المال في يد أحدهما دون الآخر.. أخذ جميع الزكاة مما في يده؛ لأن الزكاة تعلقت بالمال، ثم يرجع المأخوذ منه على صاحبه بزكاة نصيبه. إذا ثبت هذا: فاعترض المزني على الشافعي، وقال: كيف تصح هذه القسمة عند الشافعي، والقسمة بيع عنده، سواءٌ كان قبل بدو الصلاح أو بعده، ولذلك لا يجوز بيع الرطب والجذع بالرطب والجذع؟ فالجواب: أن للشافعي في القسمة قولين: أحدهما: (أنها إفراز حق). فيجوز أن يكون أجاب بهذا على هذا القول. والثاني: (أن القسمة بيعٌ). فيصح القسمة فيها. فعلى هذا: إذا تعاوضا بالدراهم، بأن يشتري أحدهما من صاحبه حصته من الثمرة والجذع بدارهم، ويبيعه كذلك في النخلة الأخرى وثمرتها بمثل تلك الدراهم، ويتقاصا، أو يقول أحدهما لصاحبه: ابتعت منك حصتك من ثمرة هذه النخلة، بحصتي من جذع النخلة الأخرى، وبعتك حصتي من ثمرة تلك النخلة، بحصتك من جذع هذه النخلة، أو يقول أحدهما: ابتعت منك حصتك من ثمرة هذه النخلة بحصتي من جذعها، فتحصل الثمرة لواحدٍ، والجذع لآخر، ثم يبتاع مبتاع الثمرة حصة صاحبه في جذع الأخرى بحصته من ثمرتها، فيصير لكل واحدٍ ثمرةٌ على جذع الآخر، أو تكون إحدى النخلتين لا ثمرة عليها، وقيمتها سواءٌ، فيقول أحدهما: ابتعت منك حصتك من ثمرة هذه النخلة وجذعها، بحصتي من جذع الأخرى.. فيصح. وبالله التوفيق.
ومن السنة: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر». إذا ثبت هذا: فإن الزكاة لا تجب في الزروع إلا إذا اجتمع فيه أربع صفاتٍ: إحداهن: أن يكون مما يزرعه الآدميون، وليس المراد بذلك: أن يقصدوا إلى زراعة هذا الزرع، وإنما المراد: أن يكون من جنس ما يزرعونه؛ لأن الحب لو سقط من صاحبه عند نقل الغلة، فنبت.. وجبت فيه الزكاة إذا بلغ نصابًا. الصفة الثانية: أن يكون مقتاتًا في حال الاختيار. الثالثة: أن يكون مما ييبس، إذا يبس. الرابعة: أن يكون مما يدخر، وذلك كالحنطة، والشعير، والدخن، والذرة، والجاورس، والأرز، وكذلك القطنية، وهي: اللوبياء، والهرطمان، والعدس، والدجر، والكشد، والبلس، والعتر، والباقلاء، وسميت بذلك؛ لأنها تقطن في البيت. وقال الحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وابن أبي ليلى، وسفيان، والحسن بن صالح، وابن المبارك، ويحيى بن آدم، وأبو عبيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا تجب الزكاة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وروي ذلك عن أحمد. دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر». وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمعاذٍ: «خذ العشر من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر»، ولأنه حبٌّ يقتات في حال الاختيار، ويدخر، وييبس، فوجبت فيه الزكاة، كالأربعة التي ذكروها.
وقال أبو حنيفة: (تجب في القليل والكثير). دليلنا: ما روى جابرٌ: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا زكاة في شيءٍ من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسقٍ»، فإذا بلغ.. ففيه الزكاة. قال الشافعي: (والعلس: ضربٌ من الحنطة، إذا ديس.. يبقى على كل حبةٍ منه كمامٌ، ولا يمكن إنقاؤه إلا بأن يدق بالمهراس، أو برحًا خفيفة، ويزعم أهلها: أن بقاءها في كمامها أكثر من بقائها وهي خارجة منه، ويزعمون: أنها إذا بقيت، وأخرجت من كمامها الأسفل، حصل منه النصف، قال: وأخير رب المال بين أن يخرجه من الكمام حتى يصير حبًا، فيكون نصابه خمسة أوسقٍ، أو بين أن يتركها في كمامها، ويكون نصابها عشرة أوسقٍ). قال الشيخ أبو حامدٍ: وهذا معنى كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا لفظه، والأرز: يدخر في قشره، فنصابه عشرة أوسقٍ لأجل قشره، وحكى ابن الصباغ: أن الشيخ أبا حامدٍ قال: وقد قيل: إنه يجيء منه الثلث، فإذا كان في كمامه قدرٌ يجيء منه خمسة أوسقٍ.. وجبت فيه الزكاة.
أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري -: أنه يضم إليه؛ لأنه يشبه الشعير في البرودة. والثاني - وهو المنصوص في " البويطي " -: (أنه لا يضم إليه)؛ لأنهما جنسان. وقال مالكٌ، والحسن، والزهري: (تضم الحنطة إلى الشعير والسلت، وتضم أجناس القطنيات بعضها إلى بعض في إكمال النصاب). دليلنا: أنهما جنسان لا يجمعهما اسمٌ خاصٌ مشتركٌ، فلم يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب، كالتمر والزبيب، فقولنا: (اسم خاصٌ مشتركٌ) احترازٌ من الاسم العام المشترك، وهو الحب، فإنه يجمع الحبوب كلها، والثمرة تجمع الثمارَ. وقولنا: (مشتركٌ) احترازٌ من الاسم المنفرد، وهو اسم النوع من الجنس، كالمعقلي والبرني من التمر، والشريحي والأبيض في الذرة؛ لأن الأسماء على ثلاثة أضربٍ: اسمٌ عامٌ مشتركٌ، اسمٌ خاص مشتركٌ واسمٌ خاصٌ منفردٌ. فالعام المشترك: هو قولنا: ثمرة أو حبٌ. والخاص المشترك: هو قولنا: تمرٌ؛ لأنه يجمع المعقلي والبرني، أو ذرة، تجمع البيضاء والصفراء والحمراء. والخاصٌ المنفرد: معقليٌ أو شريحيٌ، فإن زاد الزرع على خمسة أوسقٍ بشيء ما.. وجب فيما زاد بحسابه؛ لأنه يتجزأ من غير ضرورة، فوجب في الزائد، كالأثمان، وزكاته العشر فيما سقي بغير مؤونة ثقيلة، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة ثقيلة، كما قلنا في الثمار.
أحدها - وهو اختيار الشيخ أبي حامد -: أن الاعتبار بوقت الحصاد، فكل زرعين حصدا في فصل واحدٍ من خريفٍ أو ربيعٍ أو شتاءٍ أو صيفٍ.. ضم أحدهما إلى الآخر؛ لأن ذلك وقت الوجوب. والثاني: أن الاعتبار بوقت الزراعة، فكل زرعين اتفقت زراعتهما في فصل واحدٍ، وإن كان بينهما أيامٌ كثيرة.. ضم أحدهما إلى الآخر وإن اختلفا في وقت الحصاد؛ لأن الزراعة أصلٌ، والحصاد نتيجتها، فكان اعتبار الأصل أولى. والثالث: إن اتفق زراعتهما في فصلٍ، وحصادهما في فصلٍ.. ضما، وإن اختلفا في أحدهما.. لم يضما؛ لأنه مالٌ تتعلق الزكاة بعينه، فاعتبر فيه الطرفان، كالماشية، قال الشيخ أبو حامدٍ: وهذا أضعف الأقوال. والرابع: حكى الشيخ أبو حامدٍ: أن أبا إسحاق خرجه، وليس بمنصوص -: أن الاعتبار أن يكونا من زرع السنة، وسنة الزرع: من وقت إمكانه إلى آخر وقت حصاده، وذلك ستة أشهرٍ إلى ثمانية أشهرٍ. قال ابن الصباغ: وهذا أشبهها؛ لأن الثمار يضم بعضها إلى بعضٍ إذا كانت ثمرة عامٍ واحدٍ، فكذلك الزرع، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق \ 136] قولين آخرين غريبين: أحدهما: إن كان إدراكهما جميعًا في سنة واحدة، وليس بينهما اثنا عشر شهرًا بالعربية.. ضما، ولا اعتبار بوقت الزراعة. والثاني: إن حصد أحدهما قبل أن تمضي سنة من وقت حصاد زرع الآخر.. ضما. قال: وهذا بعيدٌ.
وجملة ذلك: أن الذرة على ضربين: ضربٌ: لا يستخلف، وضربٌ: يستخلف. فأما ما لا يستخف، وما تفاوت حصاده: إما بأن يسبق نبات بعضه، فأظل الباقي، فمنعه من الشمس، فلم يطل، أو منعه من النبات، فهذا من فروع المسألة الأولى. وأما المستخلف: فمثل أن يحصد، ثم يخرج من ساقه زرعٌ آخر، فسنبل وحصد، فاختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: يضم الأول إلى الثاني على القول الذي يقول: يعتبر حال الزراعة، أو زرعُ سنة واحدة. فأما إذا قلنا بالقولين الآخرين: فلا يضم؛ لأن الزرع لا يراد للبقاء بخلاف الشجر. ومنهم من قال: لا يضم. كما قلنا في النخيل إذا حمل في السنة حملين، وحمل كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه أراد: إذا زحم الزرع بعضه بعضًا، فأدرك الزاحم، ثم المزحوم. قال ابن الصباغ: والأول أشبه.
فأوجب الحق يوم حصاده، فثبت أن الحق إنما يجب في الوقت الذي آن حصاده، ولا مدخل للخرص في الزرع؛ لأن الزرع مستورٌ بالأوراق، فلا يمكن حزره. قال الشيخُ أبو حامد: ولأنه لا فائدة في خرص الزرع؛ لأنه لا يجوز التصرف فيه بالبيع؛ لأن بيعه في سنبله لا يجوز، ولا يمكن أكله في سنبله، بخلاف الرطب والعنب.
وقال عطاءٌ: تقسط المؤنة على جميع المال. دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر». وهذا يقتضي أن يدفع عشر المال كاملًا. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وأخذ العشر: أن يكال لرب المال تسعة، ويأخذ المصدق العاشر، وإن وجب نصف العشر.. كيل لرب المال تسعة عشر مكيالًا، وللمصدق مكيالٌ، وإن وجب ثلاثة أرباع العشر.. كيل لرب المال سبعة وثلاثون مكيالًا، وللمصدق ثلاثة مكاييل). وإنما بدأ برب المال؛ لأن نصيبه أكثر، أو لأنه إذا لم يقدم نصيبه.. لم يعلم ما للمساكين. قال الشافعي [في "الأم" 2/32] (ويكال لرب المال والمساكين كيلٌ واحدٌ، ولا يزلزل المكيال، ولا يلتف منه شيءٌ على المكيال ولا يمسحه، وإنما يطرح على رأسه، فما قام عليه، أفرغه؛ لأن الزلزلة والمسح تختلف).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر». فمن أوجب في الحول الثاني.. فقد أوجب الخمس، وهذا لا يجوز. ولأن الثمار والزرع غير نامية في الحول الثاني، فلم تجب فيها الزكاة، كالبغال والحمير.
وقال أبو حنيفة: (يجب). دليلنا: أنه زكاة، فلا تجب على المكاتب والذمي، كزكاة الماشية والأثمان.
وقال أبو حنيفة: (يجب العشر على مالك الأرض، ولا يجب على مالك الزرع). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]. ومالك الأرض لم يخرج له شيءٌ من الأرض، وإنما هو للمستأجر. ولأنه لا زكاة مالٍ.. فوجبت على مالك المال، كسائر الأموال.
دليلنا على أنه لا يجب فيها: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]. وهذا خطابٌ لمن يعقل، فلا تدخل المساجد والقناطر تحته. وأما الفقراء والمساكين: فلأنهم غير معينين، فجرى ما يصرف إليهم مجرى ما يصرف إلى المساجد.
وجملة ذلك: أن الإمام إذا غزا وغنم أرض المشركين، وأخذها عنوة.. فإنه بالخيار إن شاء.. قسمها بين الغانمين، كما قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرض خيبر، فتكون الأرض عشرية، وإن شاء.. أقرها على ملك المشركين، وضرب عليهم الخراج باسم الجزية، فإذا أسلموا.. سقطت عنهم الجزية، ووجب عليهم العشر. وقال أبو حنيفة: (لا تسقط عنهم الجزية، ولا يجب عليهم العشر). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الجزية». وهذا مسلمٌ. وأما أرض سواد العراق: وهي ما بين عبادان إلى الموصل طولًا، وما بين القادسية إلى حلوان عرضًا.. فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (افتتحها عنوة، وأخذها من كسرى وشيعته، وقسمها بين الغانمين، وبقيت في أيديهم سنتين أو ثلاثًا، ثم خاف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يشتغلوا بعمارتها، فيتعطل الجهاد، أو يشتغلوا بالجهاد، فتخرب الأرض، فرأى من المصلحة أن يسترجعها منهم، فمنهم من طابت نفسه برد ما معه بغير عوضٍ، ومنهم من لم يرد إلا بعوض، وردها على أهلها بعوضٍ يؤخذ منهم كل سنة). قال الشافعي: (وقفها عمر على المسلمين، ثم أخذها من أهلها). فعلى هذا: لا يجوز بيعها ولا رهنها. وقال أبو العباس: باعها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أهلها بشيءٍ يؤخذ منهم كل سنة. فعلى هذا: يجوز بيعها، وإنما جاز إلى أجلٍ مجهولٍ؛ لأنها معاملة مع الكفار، ألا ترى أن رجلًا لو أبق له عبدٌ، فأراد الجعالة لمن يرده.. فإنه لا بد أن يكون الجعل معلومًا؛ لأنها معاملة بين المسلمين، ولو أن الإمام غزا بلدًا من الكفار، وأراد الجعالة لمن يدله.. لجاز أن يقول: من دلني على القلعة الفلانية.. فله منها جارية، وإن كانت مجهولة؛ لأنها عقدٌ في ملك الكفار. إذا ثبت هذا: فإن هذه الأرض التي فتحها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يجب فيها الخراج لوقته، والعشر لوقته. وقال أبو حنيفة: (لا يجتمعان، بل يجب الخراج لا غير). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء.. ففيه العشر».. ولم يفرق. ولأنه حقٌ يتعلق بالمستفاد من غير أرض الخراج.. فوجب أن يتعلق بالمستفاد من أرض الخراج، كالمعدن. إذا ثبت هذا: فإن اشترى الذمي أرضًا خراجية، وقلنا: يصح.. فإنه يؤخذ منه الخراج؛ لأنه إما أجرة أو ثمنٌ، ولا يؤخذ منه العشر، وإن اشترى أرضًا عشرية.. فإنه يصح الشراء، ولا يجب عليه خراجٌ ولا عشرٌ. وقال مالكٌ: (لا يصح شراؤه). وقال أبو حنيفة: (يصح شراؤه، ويجب عليه الخراج). وقال أبو يوسف: يجب عليه عشران. دليلنا على مالكٍ: أنها أرضٌ يملكها المسلم بالشراء، فملكها الذمي به، كالخراجية. وعلى أبي حنيفة: أنه مالٌ يتعلق به حق الله تعالى، فإذا ملكه الذمي.. لم يجب عليه شيءٌ، كالماشية. وبالله التوفيق. |